الأربعاء، 10 فبراير 2010

حافية القدمين

اخرج اللى الشارع .. ارتدى نظارة .. امشى فى خطوات ثابتة .. لا هى سريعة ولا بطيئة .. خطوات ثابتة .. لا انظر لأحد .. فقط انظر امامى .. اكاد اسمع انزعاج الارض من خطواتى .. اتذكر جميلة ..

جميلة ونادر .. كانت جميلة تحيا قصة حب مع نادر .. اتفقا على ان يكونا معاً للأبد لا يفرقهما سوى الموت .. كانت هى متمردة على المجتمع وكان هو عازف عود يعزف فى احدى الفرق الموسيقية .. يجلسان معاً بالساعات .. يغنى هو لها و تستمتع هى به .. فى الحقيقى اننى عرفت نادر اولاً لانى كنت من عشاق العود .. وكان نادر معى فى نفس الفرقة ونفس الكلية .. اما جميلة فكانت فى الفرقة الثانية فى نفس الكلية .. كانت تأتى كثيرأ الى المحاضرات وتجلس امامة و يسند هو كوعية على ركبتيها .. وعندما يدخل المحاضر تذهب هى .. وتأتى ثانية .. عرفتها الدفعة كلها بأسمها وكان لها اصدقاء كثيرين مننا ..

قلت لهم كثيراً ان البيئة والثقافة التى نعيش فيها تبيد اى قصة حب ومن الافضل لها ان تنهى هى هذه القصة .. ولأن المجتمع هو اقوى مننا فأننا يوما ما سنخضع لها .. و أن قصة حبهما هى مكتوب لها الفشل.. كانت جميلة تنفعل جدا من كلامى ونخوض حوار طويل لا ينتهى ..

اقف على المحطة .. الجميع ينتظرون شئ ما .. اقرر ان اكون انا المختلفة ولا انتظر شئ .. اشعر بهدوء يملأ عقلى .. فأنا لا انتظر شيئاً .. انا خارج السباق .. انا مش هلعب معاكو .. يتدافعون .. يتنافسون للفوز .. يتعقبون المتعة .. وانا لا اشترك معهم ..

يبدو الجميع غير مهتم بمظهرة .. لماذا يهملون فى ملابسهم؟ وفى شكلهم الخارجى ؟ اه .. لو عرفوا مدى هذا القبح ؟
السيدات لا تتبعن موضة محددة ، فى نوع من الفوضى ! .. ارى ان فى بعض البلاد زى معين يتبعة الجميع مثل السارى فى الهند والكيمنو فى الصين، و بلاد اخرى يسايرن السيدات موضة ابتكرها مصممى الازياء مثل الميكرو جيب والستومك stomach فى الدول الاوروبية .. وحتى فى الاردن ولبنان و سوريا تجد ان الفتيات والسيدات يخرجن متألقات و ملابسهم تساير الموضة العالمية .

اما فى مصر فلا تعرف من الذى يخترع الموضة .. فنانون؟ .. مصممون ؟ .. عمال المصانع ؟ .. تسير بين محلات ملابس لا تعرف صانعها .. تشعر انك لابد ان تلبس كما يريد هو !! .. هو مين ؟ .. هوه بقى .. يفرض - هو- عليك ذوقة و ما عليك الا ان تطيعه - هوه برضه -..

حدثنى نادر بالامس سألنى عن اخبارى فمنذ وقت طويل لم نتقابل .. قال لى فى وسط كلامه ان علاقتة بجميلة انتهت .. قلت بكل صوتى " شفت " .. ضحك هو كعادتة ولكن كان يبدو صوتة حزينا .. احزن انا على اى قصة حب فى اى مكان من العالم تنتهى .. لأن الحب يسعدنى .. اغلق الخط بعد ان حددنا ميعاد فيه نتقابل اليوم .

تحركت نحو اليمين وعبرت الطريق .. اخرجت تليفونى المحمول و اتصلت به لأعرف مكانة .. رن التليفون طويلاً ، وكنت قد فقدت الامل ان يرد .. ادرت ظهرى لأن احداً كان يخبط اسفل ظهرى .. التفت لهذا الخبط .. كانت فتاة لا تتعدى الخامسة تبيع زهور .. غرست اظافرها فى معطفى تسألنى ان تأكل .. تسللت عيناى ورأها وفى ظلام تحت الكوبرى وجدت ثلاثة اخريات يجلسن تحت الكوبرى .. يستدفئن من البرد .. مشيت ثلاث خطوات فى اتجاههم .. اعمارهم بين ال 9 و ال 12 سنة .. يبدو ن هذه الفتاه اصغرهم .. بالكاد عرفت انهم بنات لانهم حلقن رؤسهن مثل الولاد .. خشيت ان اقترب خطوة اخرى .. لماذا خشيت؟ ..

عندما تعرف ان لديك الكثير لتخسرة .. ستأخذ كل خطواتك بحذر .. وتسير فى الاتجاة الذى يجعلك لا تخسر هذه الاشياء .. وتحافظ عليها لأنك تملكها و تحكم قبضتك عليها لأنك تعتقد ان انت هو ما تملك .. ولكن على النقيض عندما تعرف انك ليس لديك اى شئ لتخسرة ستتصرف بحرية اكبر .. فى هذة اللحظة شعرت انى مع كل محاولاتى مازلت املك الكثير الذى لا استطيع ان استغنى عنة بسهولة .. و لم افكر يوما ان اخسرة ..

خلعت حذائى و معطفى .. مشيت خطوتين بالجوارب على الرصيف فابتلت جواربى .. خلعتها .. و سرت حافية .. يبدو ان سلوكى اعجبهم فلم يهربوا منى .. وقفت ومسكت يد الصغيرة .. قلتلها : انتى مش بردانة ؟ قالتلى : بردانة بس هعمل اية ؟ ..

اعطتها معطفى .. اقتربت حتى وصلت للمكان الذى يجلسون فية .. نظرت فى عينيهم .. لم اجد نظرات ترحيب .. اخرجت صوتاً اكبرهم وقالت : انتى مين؟ .. لم ارد بكلمة ولكن ثبت نظرى فى عينها .. كانوا هم ايضا حافيات .. اخذوا الصغيرات الحذاء من يدى و الجوارب المبللة .. ارتدت احدهن الحذاء والاخرى الجوارب .. وجدتهم يدسون فى كيس اسود .. عيش ناشف .. اخرجت الصغيرة قطعة ووضعتها فى فمها .. سألتهم لماذا حلقتم رؤساكم ؟ ..اجابوا حتى لا يتعرف عليهم - ولاد الحرام - على حد قولهم ..

قضيت معهم من 10 الى 15 دقيقة .. سألت عن اسم كل واحدة فيهم .. ظلت الكبيرة تحاورنى والصغار اهتموا بالمعطف والحذاء ولا اعلم اين وضعوا الجوارب المبللة ؟ ..

رن هاتفى وكان نادر هو المتصل .. اخبرنى انه يعتذر عن الحضور ويؤجل الميعاد .. مشيت حافية حتى منزلى .. ودخلت وجلست واخرجت مذكراتى و كتبت " لم يعد بداخلى فراغ " .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق